mardi 9 avril 2013

نشرة تعريفية لكتاب : الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي اعداد مصطفى تنكرا



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد فهذا تعريف بسيط لكتاب عظيم من كتب التراث وهو كتاب الامام القرطبي - رحمه الله - الذي أسماه (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان) وقبل الكلام عن المؤلَّف لا بد من ترجمة المؤلِّف الذي أخرج لنا هذا التفسير النافع في بابه.

ترجمة الامام القرطبي:
1- نسبه:
محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الانصاري الخزرجي الاندلسي، أبو عبد الله، القرطبي،
2- مولده:
 لم يحدثنا الكتب التي ترجمت لهذا العَلَم عن مولده، ولكن يحتمل ان يكون ذلك عند مستهل القرن السابع، ولقد اشار الامام القرطبي نفسه الى قصة قتل والده عام 627ه عند تفسير قوله تعالى: ( ولا تحسبنّ الذّين قُتِلُوا في سبيل أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يُرزَقون)[1].
شيوخه:
- أبو جعفر بن أبي حجة.
- أبو عامر بن ربيع.
-أبو العباس أحمد بن عمر  بن ابراهيم الأنصاري القرطبي.
- أبو محمد عبد المعطي بن محمد بن عبد المعطي اللخمي الإسكندراني،
- ابن رواج عبد الوهاب ابن ظافر بن علي بن فتوح بن أبي الحسن القرشي ابو محمد ،
- ابن الجميزي العلامة بهاء الدين ابو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة المصري الشافعي.
تلاميذه:                    
لم اقف على من عدد تلاميذه  الا ما وقفت عليه في طبقات المفسرين للسيوطي حيث قال :" روى عنه بالإجازة ولده شهاب الدين أحمد". ولا شك ان كتابا وصف بأنه سارت به الركبان يدل على اقبال طلبة العلم عليه من شتى المناطق والاخذ عن الامام.
ويمكن ان يقال ان الامام القرطبي لم يجلس لتدريس الكتاب في مجالس العلم.
- عقيدته:
يلاحظ على القرطبي في تفسيره لآيت الصفات انه ينحو نحو الاشاعرة في التاويل فمثلا عند تفسير  قوله تعالى: ( بل يداه مبسوطتان ).  قال: " مبتدأ وخبر، أي نعمته مبسوطة، فاليد بمعنى النعمة"[2] ، مع انه يمدح مذهب السلف قال عند بيانه لمعنى  الاستواء: " وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته ، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته"[3].
قال القصبي"...ولسنا في حاجة الى سرد كثير من الادلة لبيان عقيدة القرطبي وأنه كان يدين بمذهب الأشعري ويعتنقه ويدافع عنه"[4].
- ثناء العلماء عليه:
قال ابن فرحون :" كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا ... جمع في تفسير القرآن كتابا كبيرا في اثني عشر مجلدا سماه كتاب جامع أحكام القرآن ... وهو من أجل التفاسير وأعظمها نفعا"[5]
قال صلاح الدين بن خليل الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات : " إ مام متفنن متبحر في العلم له تصانيف مفيدة تدل على كثرة أطلاعه ووفور فضله"[6].
وقال الذهبي :" الإمام، العلامة، أبو عبد الله الأنصاري، الخزرجي، القرطبي. إمام متفنن متبحر في العلم"[7].
مؤلفاته:
 : كان رحمه الله من العلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، أوقاته معمورة ما بين عبادةٍ وتصنيف، وله تصانيف تدل على إمامته وكثرة اطلاعه وفضله،  فمن أشهر تصانيفه:
1)                   كتابه  الجامع لأحكام القرآن  وهو من أجلّ التفاسير وأعظمها نفعاً.
2)                   وكتابـه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
3)                  وكتابه التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة.
4)                   وكتابه قمع الحرص بالزهد والقناعة.
5)                  التذكار في افضل الاذكار
6)                  التقريب لكتاب التمهيد[8].
وفاته:
لما وقعت الأندلس في أيدي النّصارى هاجر الامام بدينه الى أرض مصر واستقر منها ببلدة منية ابن الخصيب  وكثيرا ما اذا ذكر الاندلس قال" اعادها الله الى حظيرة الاسلام" ونحو ذلك ذلك من العبارات، ولقد اتته مَنيته بمُنية ابن خُصَيب ليلة الاثنين التاسع من شوال عام 671ه ودفن بها، رحمه الله رحمة واسعة.
التعريف بكتاب الجامع لأحكام القرآن
اسم الكتاب:
قال الامام القرطبي في مقدمة تفسيره:" وسميته بـ (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان)".
موضوعه: أحكام القرآن.
تصنيفه المكتبي: علوم القرآن. وعند المكتبيين: كتاب مرجعي
سبب تأليفه:
            لقد افصح القرطبي عن سبب تاليفه لهذا الكتاب والذي يشعر عنده القارئ  في مقدمته فقال:" وعملته تذكرة لنفسي وذخيرة ليوم رمسي وعملا صالحا بعد موتي قال الله تعالى : { يُنَبَّأُ الأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} . وقال تعالى : {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} . وقال رسول الله صلى وسلم : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا في ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
شرط مؤلفه فيه:
            بيّن رحمه الله شرطه ومنهجه في تفسيره أوضح بيان، ولعلّي أُجمله في النقاط التالية:[9]
1)      إضافة الأقوال إلى قائليها والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله.
2)      الإضراب عن كثير من قصص المفسرين وأخبار المؤرخين إلا ما لا بد منه، وما لا غنى عنه للتبيين.
3)      تبيين آيات الأحكام، بمسائل تُسفر عن معناها، وترشد الطالب إلى مقتضاها.
4)      إن لم تتضمن الآية حكماً ذكر ما فيها من التفسير والتأويل.
5)      ذكر أسباب النزول، والقراءات، والإعراب، وبيان الغريب من الألفاظ، مع الاستشهاد بأشعار العرب.
ثناء العلماء على كتاب الجامع:
وقال الذهبي :" وقد سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان ؛ وهو كامل في معناه"[10].
أحمد بن محمد الأدنروي "وكان تفسيره المذكور مسمى بجامع أحكام القرآن وهو كتاب من أجل الكتب في سفرين"[11]
القيمة العلمية للكتاب:
- الكتاب جامع لما قاله علماء التفسير المتقدمين على مؤلفه,
- الكتاب حصيلة فقهية  في معرفة مسائل الخلاف.
- يعد الكتاب صمن التفسير بالمأثور لقول مؤلفه:" ... بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف".
- مراعاة الدليل وعدم التعصب للمذهب وهذا مما زاد من قيمة هذا التفسير المبارك، قال محمد بن حسين الذهبي: " وعلى الجملة .. فإن القرطبى رحمه الله فى تفسيره هذا حر فى بحثه، نزيه فى نقده، عف فى مناقشته وجدله، ملم بالتفسير من جميع نواحيه، بارع فى كل فن استطرد إليه وتكلم فيه"[12].
- والكتاب نفيس ايضا في الرد على بعض أهل البدع مثل المعتزلة والكرامية والصوفية والرافضة
- يمكن القول بأن هذا الكتاب مرجع في معرفة حالة الاندلس في بداية القرن السابع وما حل بها من المصائب واستيلاء العدو النصراني على بلاد المسلمين، وذلك أن المؤلف يحكي بعض تلك المصائب بنفسه  او يحكي عن عيره.
ميزات الكتاب:
1- تميز الجامع بحسن التنظيم في ترتيب المسائل، فإنه يتسلسل ويتنقّل بين الفوائد والمسائل فلا تتداخل بعضها في بعض ولا يستشكل الباحث أو القارئ في هذا الكتاب مسألةً دخلت في مسألة.
2- تخريج الاحاديث وعزوها الى من رووها ونسبة الأقوال الى اصحابها.
3- والكتاب موسوعة علمي جمع فيه مؤلفه الى جانب التفسير والفقه فنونا  أخرى يستفيد منها طالب العلم.
4- التقليل من ايراد القصص والاسرائيليات.
5- الرد على الفرق المنحرفة.
مثالب الكتاب:
كتاب القرطبي رائد في بابه وجامع لما تقدم عليه الا ان الكمال لله جل ذكره فلاحظ العلماء على كتابه بعض المآخذ التي منها:
1- ايراده بعض الاحاديث الضعيفة والواهية حتى الموضوعة والاسرائيليات بلا بيان.
2- استطراده احيانا في التفسير بما لا علاقة له بالاية المفسرة.
3- دفاعه عن المذهب الاشعري.
4- يسكت تارة عن ذكر موضع النقل.
طبعات الكتاب:
يوجد في المكتبات ثلاث طبعات للكتاب وهي:
- طبعة دار الحديث بمراجعة وضبط وتعليق د/ محمد إبراهيم الحفناوي وآخر الطبعة الاولى سنة 1414ه في عشرين جزء ومجلدان للفهارس
- طبعة دار عالم الكتب - الرياض- بتصحيح الشيخ هشام سمير البخاري طبع عام 1423 بدعم صاحب السمو الملكي الوليد بن طلال في عشر مجلدات ومجلدين للفهارس
- طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي طبع عام 1427م في أربعة وعشرين مجلدا مع الفهارس وهو أحسن الطبعات وأجودها تحقيقا وهي المعتمد لدى الباحثين اليوم.
وصف الكتاب:
طبعة التركي في 24 مجلدا، بتجليد جيد وأوراق فاخرة، ويتميز هذه الطبعة بجودة الاخراج وضبط النصوص، وحجم المجلدات مناسبة فليست بالثقيل ولا بالخفيف بل هو متوسط.
مختصرات الكتاب:
- قال الادنروي :"وقد اختصره سراج الدين الشيخ عمر بن علي الشهير بابن الملقن المتوفي في سنة أربع وثمانمائة"[13] .
- مختصر تفسير القرطبي: اختصار ودراسة وتعليق الشيخ محمد كريم راجح في خمسة اجزاء طبعة دار الكتاب العربي 1407ه.
الكتب المشابهة للكتاب :
- أحكام القرآن للكيا الهراسى عماد الدين بن محمد الطبري.
- أحكام القرآن للجصاص لأحمد بن علي الرازي.
- أحكام القرآن للشافعي محمد بن إدريس والذي جمعه الامام البيهقي من كتاب الرسالة.
- أحكام القرآن الكريم للطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري.
الكتب المتعلقة بالجامع ومؤلفه:
- القرطبي ومنهجه في التفسير، د/ للقصبي محمود زلط.
- مقدمة تفسير الامام القرطبي، دراسة وتحقيق محمد طلحة بلال منيار طبعة دار ابن حزم.
- القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير، بلعم مفتاح السنوسي، ط1، جامعة قاريونس بنغازي، دار الكتب الوطنية، 1998م.
- الاراء التربوية عند الامام القرطبي، يحيى سيد يوسف، رسالة ماجستير من الجامعة الاسلامية عام 1432
وغيرها من الكتب.
 جوانب استفادة الباحث من الكتاب تربويا:
ان موسوعية مؤلف هذا الكتاب وشمولية مؤلَّفه داعيان للباحثين الى الاستفادة من هذا التراث في فنون عدة، ويخصنا نحن كتربويين ابراز ما تضمن كتابه من الاراء والافكار التربوية ليعلن سبق علماء المسلمين الى حل المشكلات التربوية عند وقوعها أو التنبؤ بها عبر العصور وفيما يلي بعض الموضوعات التربوية التي تطرق لها الامام في كتابه:
قبل الشروع في سرد الامثلة اشير الى ان الامام جعل لكتابه مقدمة نفيسة رتبها على الابواب وتحدث فيها عن ستة موضوعات رئيسية هي: الفضائل، آداب القرآن وحقوقه من التدبر والعمل، تفسير القرآن واعرابه، لغة القرآن، جمع القرآن وترتيبه، اعجاز القرآن, وهي مقدة نفيسة للباحث التربوي.
1- تحدث الإمام القرطبي- رحمه الله- عن أسلوب الترغيب والترهيب, وأثرِه الواضح, فيقول:" لأنه لما كان في اتصافه بـ(رب العالمين) ترهيب, قرنه بـ(الرحمن الرحيم) لما تضمنه من الترغيب؛ ليجمع في صفاته بين الرهبة منه, والرغبة إليه؛ ليكون أعون على طاعة الله وأمنع"[14].
- التربية التعبدية، فيقول: " : " قلت : وفي هذه الأحاديث دليل على أن المفروض أو المندوبات متى اجتمعت قُدِّم الأهم منها"[15].
2- ويعالج الامام النسيان وكثرة الغلط بتقييد العلم, فيقول:" الثانية: هذه الآية ونظائرها ...تدلّ على تدوين العلوم وكتبها لئلا تُنسى.فإن الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان.وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع, فيقيده لئلا يذهب عنه"[16].
3- كما ان الامام القرطبي-رحمه الله- أن طلب العلم شرف وفضيلة, وأنه لا يُوَازيه عمل, فيقول:" السادسة: طلب العلم فضيلة عظيمة, ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل"[17].
4- جماعة الرفاق وتأثير الفرد بصحبته قال: "... ويصاحب من يعاونه على الخير, ويدلّه على الصدق ومكارم الأخلاق, ويَزِينه ولا يَشِينه"[18].
5-  التربية الاجتماعية " الرابعة : الهدية مندوب إليها, وهي مما تُورث المودةَ وتُذهب العداوة"[19].
ومن المحاور التي يمكن الاستفادة منها من الكتاب : التربية الاسرية، التربية البدنية، التربية المهنية،


[1] القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لاحكام القرآن ط الرسالة 5/412
[2] القرطبي الجامع لأحكام القرآن مرجع سابق 2/309
[3] القرطبي الجامع لأحكام القرآن مرجع سابق 7/219
[4] القصبي، محمود زلط، القرطبي ومنهجه في التفسير، ط دار الانصار 1399هـ ص 54
[5]  ابن فرحون إبراهيم بن علي بن محمد، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ص 317  دار الكتب العلمية - بيروت
/المراكشي أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي ، السفر الخامس من كتاب الذيل ج2/ ص585  ط دار الثقافة 1965
[6] الصفدي صلاح الدين بن خليل، الوافي بالوفيات ج2 ص 87  ط دار احياء التراث العربي بيروت 1420هـ
[7] الذهبي شمس الدين تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج50 ص 74 ط دار الكتب العربي 1420 هـ
[8] ذكر هذه الكتب الزركلي، خير الدين بن محمود، في كتابه الاعلام ط دار العلم للملايين 5/322
[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/6-7
[10] الذهبي تاريخ الاسلام، ج50 ص 74
[11] الادنروي ، طبقات المفسرين  ص 246 مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة  1997م
[12] الذهبي محمد بن حسين، التفسير والمفسرون 2/341  مكتبه وهبه 2000
[13] الادنروي ، طبقات المفسرين  ص 246
[14] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1/215.
([15]) المرجع السابق، 13/55.
 [16]المرجع السابق، 14/72-73.
[17]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 10/431.
[18]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 1/38.
[19]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 16/160-161.

نشرة تعريفية لكتاب : الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي اعداد مصطفى تنكرا



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد فهذا تعريف بسيط لكتاب عظيم من كتب التراث وهو كتاب الامام القرطبي - رحمه الله - الذي أسماه (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان) وقبل الكلام عن المؤلَّف لا بد من ترجمة المؤلِّف الذي أخرج لنا هذا التفسير النافع في بابه.

ترجمة الامام القرطبي:
1- نسبه:
محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الانصاري الخزرجي الاندلسي، أبو عبد الله، القرطبي،
2- مولده:
 لم يحدثنا الكتب التي ترجمت لهذا العَلَم عن مولده، ولكن يحتمل ان يكون ذلك عند مستهل القرن السابع، ولقد اشار الامام القرطبي نفسه الى قصة قتل والده عام 627ه عند تفسير قوله تعالى: ( ولا تحسبنّ الذّين قُتِلُوا في سبيل أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يُرزَقون)[1].
شيوخه:
- أبو جعفر بن أبي حجة.
- أبو عامر بن ربيع.
-أبو العباس أحمد بن عمر  بن ابراهيم الأنصاري القرطبي.
- أبو محمد عبد المعطي بن محمد بن عبد المعطي اللخمي الإسكندراني،
- ابن رواج عبد الوهاب ابن ظافر بن علي بن فتوح بن أبي الحسن القرشي ابو محمد ،
- ابن الجميزي العلامة بهاء الدين ابو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة المصري الشافعي.
تلاميذه:                    
لم اقف على من عدد تلاميذه  الا ما وقفت عليه في طبقات المفسرين للسيوطي حيث قال :" روى عنه بالإجازة ولده شهاب الدين أحمد". ولا شك ان كتابا وصف بأنه سارت به الركبان يدل على اقبال طلبة العلم عليه من شتى المناطق والاخذ عن الامام.
ويمكن ان يقال ان الامام القرطبي لم يجلس لتدريس الكتاب في مجالس العلم.
- عقيدته:
يلاحظ على القرطبي في تفسيره لآيت الصفات انه ينحو نحو الاشاعرة في التاويل فمثلا عند تفسير  قوله تعالى: ( بل يداه مبسوطتان ).  قال: " مبتدأ وخبر، أي نعمته مبسوطة، فاليد بمعنى النعمة"[2] ، مع انه يمدح مذهب السلف قال عند بيانه لمعنى  الاستواء: " وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته ، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته"[3].
قال القصبي"...ولسنا في حاجة الى سرد كثير من الادلة لبيان عقيدة القرطبي وأنه كان يدين بمذهب الأشعري ويعتنقه ويدافع عنه"[4].
- ثناء العلماء عليه:
قال ابن فرحون :" كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا ... جمع في تفسير القرآن كتابا كبيرا في اثني عشر مجلدا سماه كتاب جامع أحكام القرآن ... وهو من أجل التفاسير وأعظمها نفعا"[5]
قال صلاح الدين بن خليل الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات : " إ مام متفنن متبحر في العلم له تصانيف مفيدة تدل على كثرة أطلاعه ووفور فضله"[6].
وقال الذهبي :" الإمام، العلامة، أبو عبد الله الأنصاري، الخزرجي، القرطبي. إمام متفنن متبحر في العلم"[7].
مؤلفاته:
 : كان رحمه الله من العلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، أوقاته معمورة ما بين عبادةٍ وتصنيف، وله تصانيف تدل على إمامته وكثرة اطلاعه وفضله،  فمن أشهر تصانيفه:
1)                   كتابه  الجامع لأحكام القرآن  وهو من أجلّ التفاسير وأعظمها نفعاً.
2)                   وكتابـه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
3)                  وكتابه التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة.
4)                   وكتابه قمع الحرص بالزهد والقناعة.
5)                  التذكار في افضل الاذكار
6)                  التقريب لكتاب التمهيد[8].
وفاته:
لما وقعت الأندلس في أيدي النّصارى هاجر الامام بدينه الى أرض مصر واستقر منها ببلدة منية ابن الخصيب  وكثيرا ما اذا ذكر الاندلس قال" اعادها الله الى حظيرة الاسلام" ونحو ذلك ذلك من العبارات، ولقد اتته مَنيته بمُنية ابن خُصَيب ليلة الاثنين التاسع من شوال عام 671ه ودفن بها، رحمه الله رحمة واسعة.
التعريف بكتاب الجامع لأحكام القرآن
اسم الكتاب:
قال الامام القرطبي في مقدمة تفسيره:" وسميته بـ (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان)".
موضوعه: أحكام القرآن.
تصنيفه المكتبي: علوم القرآن. وعند المكتبيين: كتاب مرجعي
سبب تأليفه:
            لقد افصح القرطبي عن سبب تاليفه لهذا الكتاب والذي يشعر عنده القارئ  في مقدمته فقال:" وعملته تذكرة لنفسي وذخيرة ليوم رمسي وعملا صالحا بعد موتي قال الله تعالى : { يُنَبَّأُ الأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} . وقال تعالى : {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} . وقال رسول الله صلى وسلم : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا في ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
شرط مؤلفه فيه:
            بيّن رحمه الله شرطه ومنهجه في تفسيره أوضح بيان، ولعلّي أُجمله في النقاط التالية:[9]
1)      إضافة الأقوال إلى قائليها والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله.
2)      الإضراب عن كثير من قصص المفسرين وأخبار المؤرخين إلا ما لا بد منه، وما لا غنى عنه للتبيين.
3)      تبيين آيات الأحكام، بمسائل تُسفر عن معناها، وترشد الطالب إلى مقتضاها.
4)      إن لم تتضمن الآية حكماً ذكر ما فيها من التفسير والتأويل.
5)      ذكر أسباب النزول، والقراءات، والإعراب، وبيان الغريب من الألفاظ، مع الاستشهاد بأشعار العرب.
ثناء العلماء على كتاب الجامع:
وقال الذهبي :" وقد سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان ؛ وهو كامل في معناه"[10].
أحمد بن محمد الأدنروي "وكان تفسيره المذكور مسمى بجامع أحكام القرآن وهو كتاب من أجل الكتب في سفرين"[11]
القيمة العلمية للكتاب:
- الكتاب جامع لما قاله علماء التفسير المتقدمين على مؤلفه,
- الكتاب حصيلة فقهية  في معرفة مسائل الخلاف.
- يعد الكتاب صمن التفسير بالمأثور لقول مؤلفه:" ... بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف".
- مراعاة الدليل وعدم التعصب للمذهب وهذا مما زاد من قيمة هذا التفسير المبارك، قال محمد بن حسين الذهبي: " وعلى الجملة .. فإن القرطبى رحمه الله فى تفسيره هذا حر فى بحثه، نزيه فى نقده، عف فى مناقشته وجدله، ملم بالتفسير من جميع نواحيه، بارع فى كل فن استطرد إليه وتكلم فيه"[12].
- والكتاب نفيس ايضا في الرد على بعض أهل البدع مثل المعتزلة والكرامية والصوفية والرافضة
- يمكن القول بأن هذا الكتاب مرجع في معرفة حالة الاندلس في بداية القرن السابع وما حل بها من المصائب واستيلاء العدو النصراني على بلاد المسلمين، وذلك أن المؤلف يحكي بعض تلك المصائب بنفسه  او يحكي عن عيره.
ميزات الكتاب:
1- تميز الجامع بحسن التنظيم في ترتيب المسائل، فإنه يتسلسل ويتنقّل بين الفوائد والمسائل فلا تتداخل بعضها في بعض ولا يستشكل الباحث أو القارئ في هذا الكتاب مسألةً دخلت في مسألة.
2- تخريج الاحاديث وعزوها الى من رووها ونسبة الأقوال الى اصحابها.
3- والكتاب موسوعة علمي جمع فيه مؤلفه الى جانب التفسير والفقه فنونا  أخرى يستفيد منها طالب العلم.
4- التقليل من ايراد القصص والاسرائيليات.
5- الرد على الفرق المنحرفة.
مثالب الكتاب:
كتاب القرطبي رائد في بابه وجامع لما تقدم عليه الا ان الكمال لله جل ذكره فلاحظ العلماء على كتابه بعض المآخذ التي منها:
1- ايراده بعض الاحاديث الضعيفة والواهية حتى الموضوعة والاسرائيليات بلا بيان.
2- استطراده احيانا في التفسير بما لا علاقة له بالاية المفسرة.
3- دفاعه عن المذهب الاشعري.
4- يسكت تارة عن ذكر موضع النقل.
طبعات الكتاب:
يوجد في المكتبات ثلاث طبعات للكتاب وهي:
- طبعة دار الحديث بمراجعة وضبط وتعليق د/ محمد إبراهيم الحفناوي وآخر الطبعة الاولى سنة 1414ه في عشرين جزء ومجلدان للفهارس
- طبعة دار عالم الكتب - الرياض- بتصحيح الشيخ هشام سمير البخاري طبع عام 1423 بدعم صاحب السمو الملكي الوليد بن طلال في عشر مجلدات ومجلدين للفهارس
- طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي طبع عام 1427م في أربعة وعشرين مجلدا مع الفهارس وهو أحسن الطبعات وأجودها تحقيقا وهي المعتمد لدى الباحثين اليوم.
وصف الكتاب:
طبعة التركي في 24 مجلدا، بتجليد جيد وأوراق فاخرة، ويتميز هذه الطبعة بجودة الاخراج وضبط النصوص، وحجم المجلدات مناسبة فليست بالثقيل ولا بالخفيف بل هو متوسط.
مختصرات الكتاب:
- قال الادنروي :"وقد اختصره سراج الدين الشيخ عمر بن علي الشهير بابن الملقن المتوفي في سنة أربع وثمانمائة"[13] .
- مختصر تفسير القرطبي: اختصار ودراسة وتعليق الشيخ محمد كريم راجح في خمسة اجزاء طبعة دار الكتاب العربي 1407ه.
الكتب المشابهة للكتاب :
- أحكام القرآن للكيا الهراسى عماد الدين بن محمد الطبري.
- أحكام القرآن للجصاص لأحمد بن علي الرازي.
- أحكام القرآن للشافعي محمد بن إدريس والذي جمعه الامام البيهقي من كتاب الرسالة.
- أحكام القرآن الكريم للطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري.
الكتب المتعلقة بالجامع ومؤلفه:
- القرطبي ومنهجه في التفسير، د/ للقصبي محمود زلط.
- مقدمة تفسير الامام القرطبي، دراسة وتحقيق محمد طلحة بلال منيار طبعة دار ابن حزم.
- القرطبي حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير، بلعم مفتاح السنوسي، ط1، جامعة قاريونس بنغازي، دار الكتب الوطنية، 1998م.
- الاراء التربوية عند الامام القرطبي، يحيى سيد يوسف، رسالة ماجستير من الجامعة الاسلامية عام 1432
وغيرها من الكتب.
 جوانب استفادة الباحث من الكتاب تربويا:
ان موسوعية مؤلف هذا الكتاب وشمولية مؤلَّفه داعيان للباحثين الى الاستفادة من هذا التراث في فنون عدة، ويخصنا نحن كتربويين ابراز ما تضمن كتابه من الاراء والافكار التربوية ليعلن سبق علماء المسلمين الى حل المشكلات التربوية عند وقوعها أو التنبؤ بها عبر العصور وفيما يلي بعض الموضوعات التربوية التي تطرق لها الامام في كتابه:
قبل الشروع في سرد الامثلة اشير الى ان الامام جعل لكتابه مقدمة نفيسة رتبها على الابواب وتحدث فيها عن ستة موضوعات رئيسية هي: الفضائل، آداب القرآن وحقوقه من التدبر والعمل، تفسير القرآن واعرابه، لغة القرآن، جمع القرآن وترتيبه، اعجاز القرآن, وهي مقدة نفيسة للباحث التربوي.
1- تحدث الإمام القرطبي- رحمه الله- عن أسلوب الترغيب والترهيب, وأثرِه الواضح, فيقول:" لأنه لما كان في اتصافه بـ(رب العالمين) ترهيب, قرنه بـ(الرحمن الرحيم) لما تضمنه من الترغيب؛ ليجمع في صفاته بين الرهبة منه, والرغبة إليه؛ ليكون أعون على طاعة الله وأمنع"[14].
- التربية التعبدية، فيقول: " : " قلت : وفي هذه الأحاديث دليل على أن المفروض أو المندوبات متى اجتمعت قُدِّم الأهم منها"[15].
2- ويعالج الامام النسيان وكثرة الغلط بتقييد العلم, فيقول:" الثانية: هذه الآية ونظائرها ...تدلّ على تدوين العلوم وكتبها لئلا تُنسى.فإن الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان.وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع, فيقيده لئلا يذهب عنه"[16].
3- كما ان الامام القرطبي-رحمه الله- أن طلب العلم شرف وفضيلة, وأنه لا يُوَازيه عمل, فيقول:" السادسة: طلب العلم فضيلة عظيمة, ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل"[17].
4- جماعة الرفاق وتأثير الفرد بصحبته قال: "... ويصاحب من يعاونه على الخير, ويدلّه على الصدق ومكارم الأخلاق, ويَزِينه ولا يَشِينه"[18].
5-  التربية الاجتماعية " الرابعة : الهدية مندوب إليها, وهي مما تُورث المودةَ وتُذهب العداوة"[19].
ومن المحاور التي يمكن الاستفادة منها من الكتاب : التربية الاسرية، التربية البدنية، التربية المهنية،





[1] القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لاحكام القرآن ط الرسالة 5/412
[2] القرطبي الجامع لأحكام القرآن مرجع سابق 2/309
[3] القرطبي الجامع لأحكام القرآن مرجع سابق 7/219
[4] القصبي، محمود زلط، القرطبي ومنهجه في التفسير، ط دار الانصار 1399هـ ص 54
[5]  ابن فرحون إبراهيم بن علي بن محمد، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ص 317  دار الكتب العلمية - بيروت
/المراكشي أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي ، السفر الخامس من كتاب الذيل ج2/ ص585  ط دار الثقافة 1965
[6] الصفدي صلاح الدين بن خليل، الوافي بالوفيات ج2 ص 87  ط دار احياء التراث العربي بيروت 1420هـ
[7] الذهبي شمس الدين تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج50 ص 74 ط دار الكتب العربي 1420 هـ
[8] ذكر هذه الكتب الزركلي، خير الدين بن محمود، في كتابه الاعلام ط دار العلم للملايين 5/322
[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/6-7
[10] الذهبي تاريخ الاسلام، ج50 ص 74
[11] الادنروي ، طبقات المفسرين  ص 246 مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة  1997م
[12] الذهبي محمد بن حسين، التفسير والمفسرون 2/341  مكتبه وهبه 2000
[13] الادنروي ، طبقات المفسرين  ص 246
[14] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1/215.
([15]) المرجع السابق، 13/55.
 [16]المرجع السابق، 14/72-73.
[17]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 10/431.
[18]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 1/38.
[19]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 16/160-161.